الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

Me drink milk? No, me drink Oil!




في مشهد من مسرحية للفنان الفذ عبد الحسين عبد الرضا : تعرب الشخصية في أثناء الحوار عن الوفرة النفطية - لشخصية أجنبية - قائلا بطريقة بسيطة : “Kuwait ? me no drink milk! Nooo! Me drink oil “ أي أننا من وفرة النفط لا نشرب الحليب في الرضًاعة و نحن صغار بل النفط . و في حقيقة الأمر لم يذهب الفنان الفذ في حواره بعيدا عن الحقيقة . ليس فقط للناس في الكويت بل إن العالم بجميع دوله المنتجة للنفط والغير منتجة أصبحت تأكل النفط بطريقة غير مباشرة . و ما يؤكد هذا هو التعبير الذي أصبح مؤخرا دارجا في الأخبار اليومية : " أزمة الغذاء العالمي " في إشارة إلى الغلاء المضطرد في أسعار الغذاء . و مؤخرا توالت التصريحات محذرة من أزمة في الغذاء العالمي كان آخرها تحذير بنك التنمية الدولي من كارثة غذاء في آسيا . و على مستوى العالم العربي كان بالأمس خوفا من إضراب عام في مصر احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد المعيشية. لا يحتاج الأمر إلى مزيد من التفكير لربط هذا الارتفاع بالارتفاع الموازي في سعر النفط الخام . و من أجل المزيد من البيان في جذور الأمر فإنه من السهل التفصيل في أن البنية التحتية للصناعات الغذائية مرتبطة بالنفط. في الزراعة مثلا نجد أن صناعات الأسمدة الكيماوية و المبيدات الحشرية مرتبطة بالصناعات البتروكيماوية. و كذلك فأعمال الحراثة و تجهيز الأرض و سقايتها أصبحت كما هو معروف ذات ميكنة تشغل بالوقود النفطي. و ليس هذا فحسب , بل إن الصناعات الغذائية المرتبطة بالزراعة مثل التعبئة و النقل و التعليب و التجميد و غيرها تقوم على الوقود النفطي. و مثل ذلك في الصناعات المتعلقة بصيد السمك و استزراعه . وكذلك بالطبع الصناعات الغذائية المتعلقة باللحوم بأنواعها. و كقاعدة عامة لابد من النظر بصورة شمولية للسلعة الغذائية من الألف إلى الياء. و كلما زاد الأمر تعقيدا من أجل تيسير الأمور المعيشية كلما صار في الواقع هشا و كلما صار لفقدانه تأثيرا أكبر مما يتصور عادة. في هذا السياق و في آخر رسالة شهرية لجمعية دراسة ذروة النفط ASPO هناك تحديث لنموذج النضوب تم فيه تحديث معلومات مكامن البحار العميقة deep water و بناء عليها تم استنتاج أن الذروة تقدمت من 2010 إلى 2007 . في رأي المحلل أن هذا التقدم في التاريخ هو في الحقيقة خبر حسن لا سيئ. حيث أنه كلما كان حدوث الذروة أقرب كلما كان معدل النضوب أقل انحدارا و بالتالي تكون التبعات أقل أثرا نسبيا. يضيف كاتب التقرير أن تاريخ الذروة الدقيق ليس ذو أهمية حيث أنها ليست ذروة معزولة لمكمن واحد يسهل تحديدها و لكنا موزعة سطحيا و لطيفة في انحدارها لأنها عالمية تشمل جميع المكامن . و لكن إن كان صحيح أنها حدثت فإن تأثيرها النفسي عندما يعلم الجميع أننا أصبحنا في النصف الثاني من عصر النفط لربما يكون أكبر من تأثيرها الحقيقي الواقعي. و على أي حال – يضيف التقرير- فإن هذا التحليل متوافق مع ما نراه حاليا من بدايات الركود الاقتصادي و ارتفاع و تضخم في أسعار النفط و أسعار الغذاء و ما يصاحبها من مظاهرات و أعمال شغب في بعض الدول.
في التقرير أيضا إشارة لطيفة لأهمية السماد البتروكيماوي في زيادة الطاقة الاستيعابية للأرض. حيث يشير الى بعض مظاهر الحياة في الماضي عندما كان تعداد السكان بليونا واحدا و حتى آنذاك كان من الصعب توفير الغذاء للجميع. بل أن أوربا الغنية بأرضها الزراعية كانت تضطر إلى استيراد ما يسمى غوانو guano من أمريكا الجنوبية و هو مخلفات الطيور لاستخدامها كسماد. و في فرنسا كانوا يستخدمون حتى مخلفات حمائم البيوت الداجنة. و كمثال واضح على صعوبة الأمور- حتى في عالم يبدو عضويا للناظر في مستقبلنا هذا- أشار الكاتب إلى المجاعة الكبيرة في ايرلندا عام 1850 عندما فشل محصول البطاطس بسبب عدوى بكتيرية و أدى هذا إلى نزول عدد السكان إلى النصف بسبب الوفيات و الهجرة.
يجمع المؤرخون و بخاصة في سياق الكلام عن النفط على أن الطاقة النفطية أسهمت بشكل واضح في زيادة عدد السكان من البليون إلي الستة بلايين بطريقة لوغارثمية سريعة - بالنسبة لعمر الأرض- أي ستة أضعاف مبهرة للغاية. فهل سنرى انحدارا في عدد سكان الكرة الأرضية موازيا لانحدار الإنتاج النفطي . هذا ما يحذر منه الكثير من النشطاء في هذا المجال و يدعون من خلاله لاستعدادات أكبر و للعمل على حلول الطاقة البديلة بصورة أسرع. و ليس الكثير منهم متفائلون.

و في النظر في بعض المؤشرات من الصحف الأجنبية فإنه في مقال نشر مؤخرا في الفاينانشال تايمز - المعروفة اختصارا FT - فصل الكاتبان مكنولتي و هويس في وضع شركة شركة نفطية أمريكية. لقد استفتحا المقال بعنوان لا يبدوا مشجعا بالنسبة للشركة و هو " انتاج الشركة للنفط ينازع من أجل النمو " و أشارا إلى أن الإنتاج النفطي للشركة انخفض بمقدار 10 % في الربع الأول من السنة 2008. في الواقع فإن هذه الشركة تتطلع إليها الشركات المشابهة على أنها من أنجح الشركات العالمية و مع ذلك بدأت تتشح بعلامات الضعف و حتى بالإضافة إلى انخفاض إنتاجها من النفط الخام فقد تبع ذلك انخفاضا في ربحية مصافيها النفطية. و بالطبع فقد انخفضت قيمة أسهمها بقيمة 3.6 % . و قد تنبأ المحللون أنها قد لا تتمكن من النمو خلال الخمس سنوات القادمة . من جانب آخر فقد حافظت شركات أخرى مثل BP و شل على إنتاجهما في ثبات و أحيانا في نمو و هما شركتان منافستان.

و مؤشر آخر فيه نظرة تفاؤلية من بوبيولار ميكانك Popular Mechanics في مقال حاز على صورة الغلاف لعدد ابريل 2008 يقارن المحرر بين نظرتين متفارقتين الأولى للبروفيسور دافاير والثانية من قبل مايكل لنش المحلل في شئون الطاقة. يقرر دافاير أن ذروة النفط قد بدأت في 2005 و انه في 2025 سوف يعود العالم للعصر الحجري. و في الجهة الأخرى يقول مايكل لنش رادا على دافاير أن هذه النظرة التشاؤمية تغفل قانون العرض و الطلب . و يسترسل شارحا أنه لما تبدأ موارد النفط الرخيص بالنضوب فإن هذا يؤدي من ناحية إلى انخفاض الطلب و بالتالي الترشيد بالاستهلاك و من ناحية أخرى يجعل من الممكن اقتصاديا العمل على تطوير حقول كانت تعد غير اقتصادية في الماضي مثل حقول الأعماق البحرية البعيدة. و كذلك تبعث على اهتمام الناس بطاقات بديلة أخرى مثل الشمسية و الهواء و أيضا ربما العودة إلى النووية بتقبل شعبي أكبر. و هذا في رأي مايكل لنش من شأنه أن يؤخر الذروة عشرون سنة .

و في تحليل للسفر الجوي و غلاء أسعار السفر جوا – من يوأس أيه توداي - في مقالة افتتاحية في عدد أول مايو 2008 : يطالعنا عنوان بالبنط العريض أن ازدياد أسعار السفر الجوي تعيد صياغة السفر عبر أمريكا بل و تهدد بإبقاء الملايين أرضا لعدم استطاعتهم توفير تكاليف الطيران. فيقول المحللون انه مع الزيادة المضطردة في أسعار وقود الطيران النفاث ( 44 % ) فإنه لم يعد أمام شركات الطيران سوى تقليل جداول الرحلات و زيادة أسعار التذاكر. و على هذا – يتنبأ المحللون – أنه سوف يكون هناك تقليل كبير بعدد الرحلات و طائرات تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية بلا مقاعد شاغرة و مزيد من تذمر المسافرين . سيعتاد المسافرين الذين كانوا يعتبرون الرحلات مثل التوقف عند محطة الباص و أخذ أي باص ملائم على أن يلحقوا بالطائرة في أوقات قد لا تلائمهم في الصباح الباكر. و قد صرح رئيس مجلس ادارة دلتا للطيران – رتشارد اندرسون – " ليس باستطاعتنا أن نقلل من أهمية الطفرة في أسعار النفط و تأثيرها الجذري القادم على صناعة الطيران"




المهندس / أحمد الماجد
ماجستير إدارة أعمال
ahmad.almajed@gmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. مقال ممتاز مهندس أحمد
    أهنئك عليه. فعلا الفقراء في العالم يدفعون جانبا من تكلفة ارتفاع اسعار النفط في صورة ارتفاع اسعار المواد الغذائية، ولكن المشكلة هي أن هؤلاء هو أقل الناس في العالم استعدادا لتحمل تلك التكلفة، وبالفعل لقد كان العالم على شفا ازمة غذاء عالمية طاحنة في 2009، لولا حدوث الازمة المالية التي أدت الى التلطيف من حدة ارتفاع اسعار الغذاء، ولكن من المؤكد أن العالم النامي في 2010، سوف يواجه مشكلة تضخم أسعار الغذاء مع تحسن الاوضاع الاقتصادية وارتفاع اسعار النفط.

    ردحذف