الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

ذروة النفط

ذروة النفط
الجذر الحقيقي لارتفاع سعر النفط


بقلم : أحمد الماجد
هندسة كيميائية ، ماجستير إدارة أعمالMBA
ahmad.almajed@gmail.com


استغرب كثيرا من تحليلات المحللين المحليين لارتفاع أسعار النفط في شبه محاولة لاستقراء الأحداث و مطابقتها مع بعضها البعض . في حقيقة الأمر فإن غالب التحليلات إن هي إلا اجترار لجمل مكررة أشبه ما تكون بلزمات مسرحية لا ادري ما الهدف من ورائها، إذا كانت فعلا مقصودة . في الحقيقة لا شك إن للمضاربات و الأحداث السياسية تأثيرا على سعر النفط ، إلا أن الظاهرة الجديدة في الموضوع هو الزيادة الملحوظة في زيادة الحساسية لهذه الأحداث . فإن أحداثا تضاهيها قد حصلت في الماضي لم يكن لها مثل هذا التأثير المتصاعد الصامد في اتجاهه الى الأعلى و ان تموج في صعوده. فحينها كان هناك قدرة انتاج استيعابية تضفى الطمأنينة على السوق او ما يسمى بلغة النفط spare capacity. فالنظرة الموضوعية إذن هي أن تتابع الأسعار على مداها البعيد.

لقد بدأت منذ عدة سنوات مجموعة من العلماء و الجيولوجيين في الغرب بالحديث و الكتابة في موضوع بالغ الأهمية يعرف ب " ذروة النفط " peak oil . كان حديثهم قبل عشر سنوات خافتا و قلما يسمع . بل و يقابلون بالاستهزاء و اللامبالاة أحيانا و في أحد المرات أطلق على أحدهم لقب كاساندرا ( أي المبشرة بالأخبار السيئة في الثقافة اليونانية ) . إلا أنه و بعد هذه السنوات و خاصة بعد الزيادة الملحوظة في أسعار النفط صار مصطلح ذروة النفط دارجا . بل و أكثر من ذلك فقد أعلن سكرتير الطاقة الأمريكي السابقDr James R. Schlesinger في مؤتمر ذروة النفط الأخيرASPO 2007 في ايرلندا في سبتمبر الفائت أن أهل الذروة قد فازوا و أصبحوا هم أهل الكلمة المسموعة .

بعد أن كان السؤال الدارج قبل ذلك " هل هناك ذروة للنفط؟ " صار السؤال الدارج الآن " متى الذروة ؟". متى و ليس هل . و بلغ الحد ان مجلة مرموقة مثلNational Geography و ضعت على غلافها لشهر يونيو 2004 موضوعا بعنوان " نهاية النفط الرخيص " . و قد طرح الموضوع على الكونغرس الأمريكي أكثر من مرة . يقول خبير الطاقة ماثيو سيمنز Mathew Simmons و هو صاحب بنك استثماري عريق في هيوستن في مجال الطاقة ، أنه قد ناقش الموضوع مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة . و قد صرح جورج بوش في مايو 2001 قائلا : " ما يحتاج أن يسمعه الناس بوضوح و بصوت عال إن الطاقة آخذة بالنضوب في أمريكا " ! . و قد ذكر ماثيو سيمونز في كتابه الحديث الرائع غروب في الصحراء Twilight in the desert أنه قد التقي في 2003 بقيادات النفط في الكويت و القي عليهم معلومات هامة عن النفط في المنطقة.

و ليس مستغربا إذن أن يجتمع العلماء القائلون بهذا المذهب و أن يكونوا جمعية عالمية متخصصة بدراسة هذه الظاهرة مستخدمين كل ما عندهم من معرفة و تطبيقات علمية. فلقد أسسس الدكتور كولن كامبل Colin Cambel و هو جيولوجي مخضرم جمعية دراسة ذروة النفط ASPO و هذا العام قد انتهوا لتوهم من مؤتمرهم السادس في أيرلندا و مقبلون على المؤتمر السابع في هيوستن في نوفمبر 2007 . وفي حقيقة الأمر أخذ العلماء في عدة بلدان في تأسيس فروع لهذه الجمعية كل في بلده . و من آخر المؤسسين مجموعة علماء في الصين و قبل ذلك في ايطاليا و السويد و غيرها . و لعل الوقت حان لأن تتبنى جمعية المهندسين في الكويت تأسيس فرع الكويت ، فالأمر عالمي و يمس الجميع.


ما هي ذروة النفط ؟

فلنرجع بالتاريخ قليلا إلى الخمسينيات من القرن الفائت حيث تكلم الجيولوجي النفطي الفذ الدكتور كنج هوبرت Hubert عن نظرية ذروة النفط لأول مرة في مؤتمر نفطي . حينها تنبأ بذروة الإنتاج النفطي الأمريكي و صرح بأنها ستكون في 1970 حسب نموذجه العلمي الرياضي الجيولوجي. و لم يؤخذ كلامه على محمل الجد أبدا . بل قوبل بالسخرية حتى عام 1970 حيث كانت السخرية منه في ذروتها و لكن ذروة السخرية ذاتها كانت هي فعلا ذروة النفط تماما كما تنبأ . فقد بدأ انتاج النفط الأمريكي بالتناقص في 1971 و لا يزال متناقصا منذ ذلك الحين . و بعد أن كانت امريكا هي المصدرة للنفط صارت دولة مستوردة . فذروة النفط هي باختصار وصول المكمن النفطي الى قمة انتاجه و انخفاض انتاجه بعد هذه النقطة .

أذن فأن الأسم العلمي للظاهرة هو ظاهرة هوبرت لذروة النفط . و مثل ما صارت ذروة هوبرت في الولايات المتحدة في 1971 فهي تتكرر على مرأي و مسمع من الجميع . فقد حدثت لبريطانيا صاحبة حقول الشمال في 1999 و قريبا ستتحول بريطانيا لدولة مستوردة للنفط . و حدثت للنرويج في 2005 و حدثت لغيرها و غيرها . حتى تكررت في قرابة الستون دولة من الدول المنتجة للنفط . و مع ذلك لا يفتأ المحللون عندنا من اجترار تحليلات أكل عليها الدهر و شرب. فهم دائما يكررون ان السبب هو المضاربات او التكهنات او السياسة او أوبك المنظمة المسكينة المظلومة أو احيانا بسبب بضعة عمال مضربين في نيجيريا . مثل ما أن هوبرت قد تنبأ بذروة لأمريكا فهو قد تنبأ كذلك بأن ذروة نفط العالم ستكون في 1995 غير أن بعض الخبراء يقولون أن انخفاض الطلب بعد المقاطعة العربية في السبعينات قد أدي إلى تأخيرها . هذا بالإضافة الى ان جداول هوبرت لنفط العالم لم تكن كاملة المعلومات بطبيعة الحال . حيث انه قد حدثت بعض الاستكشافات بعد ذلك.

على الرغم من هذه الظاهرة و حتميتها فأنه لايزال القليل يتحدث عنها و لا يزال استهلاك النفط آخذ بالتزايد حتى في اولى الدول ذروة الولايات المتحدة الأمريكية . و الآن هو آخذ بالتزايد في دول حديثة النمو نسبيا مثل الصين و الهند اللتان صارتا تنافسان العالم على استهلاك مضطرد التزايد تبعا لاضطراد نموها الأقتصادي. فالنفط هو الأقتصاد و الأقتصاد هو النفط . فهل تستطيع الدول المنتجة مسايرة هذا التزايد في الطلب؟ أن نظرية هوبرت تقول عكس ذلك تماما فالعلماء البيكييون كما يطلق عليهم أحيانا نسبة الى ذروة بالأنجليزي : يتنبأون بأن ذروة النفط قد أوشكت و صارت قريبة جدا - أن لم تكن قد حدثت فعلا. فهذا الجيولوجي الدكتور كولن كامبل يقول انها بين 2005 و 2007 و مثله يصرح الدكتور على سمسم بختياري المعروف حيث قال ان نموذجه الرياضي يستنتج انها بين 2005 و 2007 . بل و ان الدكتور( دافير) يقول انها حدثت في عيد الشكر في 2005 .

و بعيدا عن الحسابات العلمية فأن تصرفات الشركات النفطية الكبيرة توحي بما يعرفونه فعلا و لا يصرحون به صراحة مراعاة للعوامل الاجتماعية و السياسية و أسهمهم في البورصات العالمية . فمثلا بالرغم من الزيادة في أسعار النفط فأن استثمارهم و ميزانيتهم المخصصة للاستكشافات الجديدة لا توازي إطلاقا هذه الزيادة في السعر.
و هذا مفهوم إذا عرفنا أن ذروة الاستكشافات النفطية قد حدثت في الستينات كما هو واضح في مخطط الاستكشافات الشهير الذي أصدرته شركة شل .




و هذا يعني انه منذ الستينات و الاستكشافات النفطية الجديدة آخذة بالتناقص. كما ان الشركات أخذت بالأندماج داعمة بعضها البعض. مثل شركات BP – AMACO و شركات Chevron – Texaco و شركات Exxon Mobil . كما انه بالرغم من ان المصافي تعمل بكامل طاقتها الا انه لم يتم بناء مصفاة جديدة منذ سنوات طويلة .

فهل يعنى هذا ان نفاد النفط ؟ لا بل السؤال عن نفاد النفط ليس ذو أهمية الآن إن ذروة النفط بحد ذاتها ذات أهمية قصوى . فمعناها عدم القدرة على زيادة الإنتاج العالمي و من ثم ثبات الإنتاج و من ثم بدأ الانخفاض التدريجي للإنتاج بمعدل 6 % سنويا على الأرجح كبداية .و ليس للنفط بديل حقيقي على الأطلاق. و للعارفين بالأقتصاد حقا فإن لهذا تعاديات اقتصادية و سياسية خطيرة جدا . فبعد الذروة لن يكون هناك نفط كاف لدفع عجلة الأقتصاد العالمي المبنية بالأساس على( الزيادة ) المستمرة . و خاصة في الدول الصناعية و بالتالي فأن أي نقص مثل هذا يعني عند المستثمرين استحالة النمو و بالتالي امتناعهم تدريجيا عن الاقتراض من البنوك للاستثمار و بالتالي عدم وجود اساس عند البنوك المركزية لطباعة اوراق نقدية جديدة و هكذا تنكسر الحلقة فلا تجد البنوك ما تسد بها عجزها .

و ربما يكون هذا أيضا بداية حروب الطاقة ، هذا إذا لم تكن قد بدأت فعلا .


المراجع :

Twilight in the desert , Mathew Simmons
ASPO news letters
Interview with Colin Cambel
Interview with Matt Simmons
The party is over
The end of cheap oil
Resources wars
End of Suburbia
Crude awakening
http://www.samsambakhtiari.com/

هناك تعليقان (2):